فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {ن} فيه ثمانية أقوال:
أحدها: أن النون الحوت الذي عليه الأرض، قاله ابن عباس من رواية أبي الضحى عنه، وقد رفعه.
الثاني: أن النون الدواة، رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث: أنه حرف من حروف الرحمن، قاله ابن عباس في رواية الضحاك عنه.
الرابع: هو لوح من نور، رواه معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الخامس: أنه اسم من أسماء السورة، وهو مأثور.
السادس: أنه قسم أقسم اللّه به، وللّه تعالى أن يقسم بما يشاء، قاله قتادة.
السابع: أنه حرف من حروف المعجم.
الثامن: أن نون بالفارسية أيذون كن، قاله الضحاك.
ويحتمل تاسعا: إن لم يثبت به نقل أن يكون معناه: تكوين الأفعال والقلم وما يسطرون، فنزل الأقوال جميعا في قسمه بين أفعاله وأقواله، وهذا أعم قسمة.
ويحتمل عاشرا: أن يريد بالنون النفْس لأن الخطاب متوجه إليها بغيرعينها بأول حروفها، والمراد بالقلم ما قدره اللّه لها وعليها من سعادة وشقاء، لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ.
أما {والقلم} ففيه وجهان:
أحدهما: أنه القلم الذي يكتبون به لأنه نعمة عليهم ومنفعة لهم، فأقسم بما أنعم، قاله ابن بحر.
الثاني: أنه القلم الذي يكتب به الذكر على اللوح المحفوظ، قال ابن جريج:
هو من نور، طوله كما بين السماء والأرض.
وفي قوله: {وما يسْطرون} ثلاثة أقاويل:
أحدها: وما يعلمون، قاله ابن عباس.
الثاني: وما يكتبون، يعني من الذكر، قاله مجاهد والسدي.
الثالث: أنهم الملائكة الكاتبون يكتبون أعمال الناس من خير وشر.
{ما أنت بنعمةِ ربّك بمجنونٍ} كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم أنه مجنون به شيطان، وهو قولهم: {يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} [الحجر: 6] فأنزل اللّه تعالى ردا عليها وتكذيبا لقولهم: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} أي برحمة ربك، والنعمة هاهنا الرحمة.
ويحتمل ثانيا: أن النعمة هاهنا قسم، وتقديره: ما أنت ونعمة ربك بمجنون، لأن الواو والباء من حروف القسم.
وتأوله الكلبي على غير ظاهره، فقال: معناه ما أنت بنعمة ربك بمخفق.
{وإنّ لك لأجْرا غيْر ممْنُونٍ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: غير محسوب، قاله مجاهد.
الثاني: أجرا بغير عمل، قاله الضحاك.
الثالث: غير ممنون عليك من الأذى، قاله الحسن.
الرابع: غير منقطع، ومنه قول الشاعر:
ألا تكون كإسماعيل إنّ له ** رأيا أصيلا وأجْرا غير ممنون

ويحتمل خامسا: غير مقدّر وهو الفضل، لأن الجزاء مقدر، والفضل غير مقدر.
{وإنك لعلى خُلُقٍ عظيمٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أدب القرآن، قاله عطية.
الثاني: دين الإسلام، قاله ابن عباس وأبو مالك.
الثالث: على طبع كريم، وهو الظاهر.
وحقيقة الخلُق في اللغة هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب سمي خلقا لأنه يصير كالخلقة فيه، فأما ما طبع عليه من الآداب فهو الخيم فيكون الخلق الطبع المتكلف، والخيم هو الطبع الغريزي، وقد أوضح ذلك الأعشى في شعره فقال:
وإذا ذو الفضول ضنّ على المو ** لى وعادت لِخيمها الأخلاقُ

أي رجعت الأخلاق إلى طباعها.
{فستبْصِرُ ويُبْصرُون} فيه وجهان:
أحدهما: فسترى ويرون يوم القيامة حين يتبين الحق والباطل.
الثاني: قاله ابن عباس معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة.
{بأيِّكم المْفتونُ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يعني المجنون، قاله الضحاك.
الثاني: الضال، قاله الحسن.
الثالث: الشيطان، قاله مجاهد.
الرابع: المعذب من قول العرب فتنت الذهب بالنار إذا أحميته، ومنه قوله تعالى: {يوم هم على النار يُفْتنون} [الذاريات: 13] أي يعذبون.
{ودُّوا لو تُدْهِنُ فيدْهِنون} فيه ستة تأويلات:
أحدها: معناه ودوا لو تكفر فيكفرون، قاله السدي والضحاك.
الثاني: ودوا لو تضعُف فيضعُفون، قاله أبو جعفر.
الثالث: لو تلين فيلينون، قاله الفراء.
الرابع: لو تكذب فيكذبون، قاله الربيع بن أنس.
الخامس: لو ترخص لهم فيرخصون لك، قاله ابن عباس.
السادس: أن تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك، قاله قتادة.
وفي أصل المداهنة وجهان:
أحدهما: مجاملة العدو وممايلته، قال الشاعر:
لبعْضُ الغشْم أحزْم أمورٍ ** تنوبُك مِن مداهنةِ العدُوِّ.

الثاني: أنها النفاق وترك المناصحة، قاله المفضل، فهي على هذا الوجه مذمومة، وعلى الوجه الأول غير مذمومة.
{ولا تُطِعْ كلّ حلاّفٍ مهينٍ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه الكذاب، قاله ابن عباس.
الثاني: الضعيف القلب، قاله مجاهد.
الثالث: أنه المكثار من الشر، قاله قتادة.
الرابع: أنه الذليل بالباطل، قاله ابن شجرة.
ويحتمل خامسا: أنه الذي يهون عليه الحنث.
وفي من نزل ذلك فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في الأخنس بن شريق، قاله السدي.
الثاني: الأسود بن عبد يغوث، قاله مجاهد.
الثالث: الوليد بن المغيرة، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم مالا وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه، قاله مقاتل.
{همّازٍ مشّاءٍ بِنميمٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الفتّان الطعان، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني: أنه الذي يلوي شدقيه من وراء الناس، قاله الحسن.
الثالث: أنه الذي يهمزهم بيده ويضربهم دون لسانه، قاله ابن زيد، والأول أشبه لقول الشاعر:
تُدْلي بِوُدٍّ إذا لاقيتني كذبا

وإن أغيبُ فأنت الهامز اللُّمزة.
{مشّاءٍ بنميم} فيه وجهان:
أحدهما: الذي ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض، قاله قتادة.
الثاني: هو الذي يسعى بالكذب، ومنه قول الشاعر:
وموْلى كبيْتِ النمل لا خير عنده ** لمولاه إلا سعية بنميم

وفي النميم والنميمة وجهان:
أحدهما: أنهما لغتان، قاله الفراء.
الثاني: أن النميم جمع نميمة.
{منّاعٍ للخيْرِ} فيه وجهان:
أحدهما: للحقوق من ظلم.
الثاني: الإسلام يمنع الناس منه.
{عُتُلٍّ بعْد ذلك زنيمٍ} يعني بعد كونه {منّاعٍ للخيرٍ}
معتدٍ أثيم، هو عتل زنيم، وفيه تسعة أوجه:
أحدها: أن العُتُلّ الفاحش، وهو مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنه القوي في كفره، قاله عكرمة.
الثالث: أنه الوفير الجسم، قاله الحسن وأبو رزين.
الرابع: أنه الجافي الشديد الخصومة بالباطل، قاله الكلبي.
الخامس: أنه الشديد الأسر، قاله مجاهد.
السادس: أنه الباغي، قاله ابن عباس.
السابع: أنه الذي يعتِل الناس، أي يجرهم إلى الحبس أو العذاب، مأخوذ من العتل وهو الجر، ومنه قوله تعالى: {خذوه فاعتِلوه} [الحاقة: 30].
الثامن: هو الفاحش اللئيم، قاله معمر، قال الشاعر:
يعتل من الرجال زنيم ** غير ذي نجدةٍ وغير كريم.

التاسع: ما رواه شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنْم، ورواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل الجنة جواظٌ ولا جعظري ولا العتلّ الزنيم» فقال رجل: ما الجواظ وما الجعظري وما العتل الزنيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجواظ الذي جمع ومنع، والجعظري الغليظ، والعتل الزنيم الشديد الخلق الرحيب الجوف، المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام، الظلوم للناس».
وأما الزنيم ففيه ثماني تأويلات:
أحدها: أنه اللين، رواه موسى بن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنه الظلوم، قاله ابن عباس في رواية ابن طلحة عنه.
الثالث: أنه الفاحش، قاله إبراهيم.
الرابع: أنه الذي له زنمة كزنمة الشاة، قال الضحاك: لأن الوليد بن المغيرة كان له أسفل من أذنه زنمة مثل زنمة الشاة، وفيه نزلت هذه الآية، قال محمد بن إسحاق: نزلت في الأخنس بن شريق لأنه حليف ملحق ولذلك سمي زنيما.
الخامس: أنه ولد الزنى، قاله عكرمة.
السادس: أنه الدعيّ، قال الشاعر:
زنيمٌ تداعاه الرجالُ زيادة ** كما زِيد في عرْضِ الأديمِ الأكارعُ

السابع: أنه الذي يعرف بالأُبنة، وهو مروي عن ابن عباس أيضا.
الثامن: أنه علامة الكفر كما قال تعالى: {سنسمه على الخرطوم}، قاله أبو رزين.
{أنْ كان ذا مالٍ وبنين} قيل إنه الوليد بن المغيرة، كانت له حديقة بالطائف، وكان له اثنا عشر ابنا، حكاه الضحاك.
وقال عليّ بن أبي طالب: المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة.
{إذا تتْلى عليه آياتُنا} يعني القرآن.
{قال أساطيرُ الأوّلين} يعني أحاديث الأولين وأباطيلهم.
{سنسِمُهُ على الخُرطومِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنها سمة سوداء تكون على أنفه يوم القيامة يتميز بها الكافر، كما قال تعالى: {يُعْرفُ المجرمون بسيماهم} [الرحمن: 41].
الثاني: أنه يضرب في النار على أنفه يوم القيامة، قاله الكلبي.
الثالث: أنه إشهار ذكره بالقبائح، فيصير موسوما بالذكر لا بالأثر.
الرابع: هو ما يبتليه اللّه به في الدنيا في نفسه وماله وولده من سوء وذل وصغار، قاله ابن بحر واستشهد بقول الأعشى.
فدعْها وما يغنيك واعمد لغيرها ** بشِعرك واغلب أنف من أنت واسم.

وقال المبرد: الخرطوم هو من الناس الأنف، ومن البهائم الشفة.
{إنا بلوناهم كما بلوْنا أصْحاب الجنّةِ} فيهم قولان:
أحدهما: إن الذين بلوناهم أهل مكة بلوناهم بالجوع كرتين، كما بلونا أصحاب الجنة حتى عادت رمادا.
الثاني: أنهم قريش ببدر.
حكى ابن جريج أن أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا واربطوهم في الحبال، ولا تقتلوا منهم أحدا، فضرب اللّه بهم عند العدو مثلا بأصحاب الجنة.
{إذ أقْسموا ليصرِمُنّها مُصْبِحين} قيل إن هذه الجنة حديقة كانت باليمن بقرية يقال لها ضروان، بينها وبين صنعاء اليمن اثنا عشر ميلا، وفيها قولان:
أحدهما: أنها كانت لقوم من الحبشة.
الثاني: قاله قتادة أنها كانت لشيخ من بني إسرائيل له بنون، فكان يمسك منها قدر كفايته وكفاية أهله، ويتصدق بالباقي، فجعل بنوه يلومونه ويقولون: لئن ولينا لنفعلن، وهو لا يطيعهم حتى مات فورثوها، فقالوا: نحن أحوج بكثرة عيالنا من الفقراء والمساكين {فأقسموا ليصرُمنّها مصبحين} أي حلفوا أن يقطعوا ثمرها حين يصبحون.
{ولا يسْتثْنون} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يستثنون من المساكين، قاله عكرمة.
الثاني: استثناؤهم قول سبحان ربنا، قاله أبو صالح.
الثالث: قول إن شاء اللّه.
{فطاف عليها طائفٌ مِن ربِّك وهم نائمون} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أمر من ربك، قاله ابن عباس.
الثاني: عذاب من ربك، قاله قتادة.
الثالث: أنه عنق من النار خرج من وادي جنتهم، قاله ابن جريج.
{وهم نائمون} أي ليلا وقت النوم، قال الفراء: الطائف لا يكون إلا ليلا.
{فأصبحت كالصريم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: كالرماد الأسود، قاله ابن عباس.
الثاني: كالليل المظلم، قاله الفراء، قال الشاعر:
تطاول ليلُك الجوْنُ البهيمُ ** فما ينجاب عن صبحٍ، صريمُ

الثالث: كالمصروم الذي لم يبق فيه ثمر.
روى أسباط عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «أياكم والمعاصي، إن العبد ليذنب فيحرم به رزقا قد كان هيئ له، ثم تلا: {فطاف عليها طائف من ربك...} الآيتين قد حرموا خير جنتهم بذنبهم».
{فتنادوْا مُصبِحين} أي دعا بعضعهم بعضا عند الصبح.
{أنِ اغْدُوا على حرْثِكم} قال مجاهد: كان الحرث عنبا.
{إن كنتم صارمين} أي عازمين على صرم حرثكم في هذا اليوم.
{فانْطلقُوا وهم يتخافتون} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يتكلمون، قاله عكرمة.
الثاني: يخفون كلامهم ويسرونه لئلا يعلم بهم أحد، قاله عطاء وقتادة.
الثالث: يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم.
الرابع: لا يتشاورون بينهم.
{أن لا يدخُلنّها اليوم عليكم مِسكين} قاله يحيى بن سلام.
{وغدوْا على حرْدٍ قادرين} فيه تسعة أوجه:
أحدها: على غيظ، قاله عكرمة.
الثاني: على جدٍّ، قاله مجاهد.
الثالث: على منع، قاله أبو عبيدة.
الرابع: على قصد، ومنه قول الشاعر:
أقْبل سيلٌ جاء من عندِ اللّه ** يحْرِدُ حرْد الجنّة المُغِلّة

اُي يقصد قصد الجنة المغلة.
الخامس: على فقر، قاله الحسن.
السادس: على حرص، قاله سفيان.
السابع: على قدرة، قاله ابن عباس.
الثامن: على غضب، قاله السدي.
التاسع: أن القرية تسمى حردا، قاله السدي.
وفي قوله: {قادرين} ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني قادرين على المساكين، قاله الشعبي.
الثاني: قادرين على جنتهم عند أنفسهم، قاله قتادة.
الثالث: أن موافاتهم إلى جنتهم في الوقت الذي قدروه، قاله ابن بحر.
ويحتمل رابعا: أن القادر المطاع بالمال والأعوان، فإذا ذهب ماله تفرق أعوانه فعُصي وعجز.
{فلمّا رأوْها قالوا إنا لضالُّون} أي أنهم لما رأوا أرض الجنة لا ثمرة فيها ولا شجر قالوا إنا ضالون الطريق وأخطأنا مكان جنتنا، ثم استرجعوا فقالوا: {بل نحن محرومون} أي حُرمنا خير جنتنا، قال قتادة: معناه جوزينا فحُرمنا.
{قال أوْسطُهم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني أعدلهم، قاله ابن عباس.
الثاني: خيرهم، قاله قتادة.
الثالث: أعقلهم، قاله ابن بحر.
{ألمْ أقُل لكم لولا تُسبّحون} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لولا تستثنون عند قولهم {ليصرمنها مصبحين}، قاله ابن جريج.
الثاني: أن التسبيح هو الاستثناء، لأن المراد بالاستثناء ذكر اللّه، وهو موجود من التسبيح.
الثالث: أن تذكروا نعمة اللّه عليكم فتؤدوا حقه من أموالكم.
{أم لكم أيْمانٌ علينا بالغةٌ} والبالغة المؤكدة بالله.
{إنّ لكم لما تحْكُمُون} فيه وجهان:
أحدهما: أم لكم أيمان عيلنا بالغة أننا لا نعذبكم في الدنيا إلى يوم القيامة.
{سلْهم أيُّهم بذلك زعيمٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أن الزعيم الكفيل، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الرسول، قاله الحسن.
ويحتمل ثالثا: أنه القيم بالأمر لتقدمه ورئاسته.
{يوم يُكْشفُ عن ساقٍ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: عن ساق الآخرة، قاله الحسن.
الثاني: الساق الغطاء، قاله الربيع بن أنس، ومنه قول الراجز:
في سنةٍ قد كشفتْ عن ساقها ** حمراء تبري اللحم عن عراقها

الثالث: أنه الكرب والشدة، قاله ابن عباس، ومنه قول الشاعر:
كشفت لهم عن ساقها ** وبدا من الشر الصُّراح

الرابع: هو إقبال الآخرة وذهاب الدنيا، قال الضحاك: لأنه أول الشدائد، كما قال الراجز:
قد كشفت عن ساقها فشُدُّوا ** وجدّت الحربُ بكم فجدوا

فأما ما روي أن اللّه تعالى يكشف عن ساقه فإن اللّه تعالى منزه عن التبعيض والأعضاء وأن ينكشف أو يتغطى، ومعناه أنه يكشف عن العظيم من أمره، وقيل يكشف عن نوره.
وفي هذا اليوم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه يوم الكبر والهرم والعجز عن العمل.
الثاني: أنه يوم حضور المنية والمعاينة.
الثالث: أنه يوم القيامة.
{ويُدْعون إلى السجودِ فلا يستطيعون} فمن قال في هذا اليوم إنه يوم القيامة جعل الأمر بهذا السجود على وجه التكليف.
ومن جعله في الدنيا فلهم في الأمر بهذا السجود قولان:
أحدهما: أنه تكليف.
الثاني: تندم وتوبيخ للعجز عنه، وكان ابن بحر يذهب إلى أن هذا الدعاء إلى السجود إنما كان في وقت الاستطاعة، فلم يستطيعوا بعد العجز أن يستدركوا ما تركوا.
{فذرْنِي ومن يُكذّبُ بهذا الحديث}
قال السدي: يعني القرآن.
ويحتمل آخر أي بيوم القيامة.
{سنستدرجهم مِن حيثُ لا يعْلمون} فيه خمسة أوجه:
أحدها: سنأخذهم على غفلة وهم لا يعرفون، قاله السدي.
الثاني: نتبع النعمة السيئة وننسيهم التوبة، قاله الحسن.
الثالث: نأخذهم من حيث درجوا ودبوا، قاله ابن بحر.
الرابع: هو تدريجهم إلى العذاب بإدنائهم منه قليلا بعد قليل حتى يلاقيهم من حيث لا يعلمون، لأنهم لو علموا وقت أخذهم بالعذاب ما ارتكبوا المعاصي وأيقنوا بآمالهم.
الخامس: ما رواه إبراهيم بن حماد، قال الحسن: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مغبون بالثناء عيه، وكم من مغرور بالستر عليه.
والاستدراج: النقل من حال إلى حال كالتدرج، ومنه قيل درجة وهي منزلة بعد منزلة.
{فاصْبِرْ لحُكمِ ربّك} فيه وجهان:
أحدهما: لقضاء ربك.
الثاني: لنصر ربك، قاله ابن بحر.
{ولا تكُن كصاحِبِ الحُوتِ} قال قتادة: إن اللّه تعالى يعزي نبيّه ويأمره بالصبر، وأن لا يعجل كما عجل صاحب الحوت وهو يونس بن متى.
{إذ نادى وهو مكظوم} أما نداؤه فقوله: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
وفي مكظوم أربعة أوجه:
أحدها: مغموم، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني: مكروب، قاله عطاء وأبو مالك، والفرق بينهما أن الغم في القلب، والكرب في الأنفاس.
الثالث: محبوس، والكظم الحبس، ومنه قولهم: فلان كظم غيظه أي حبس غضبه، قاله ابن بحر.
الرابع: أنه المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس، قاله المبرد.
{لولا أن تداركه نِعْمةٌ مِن ربِّه} فيه أربعة أوجه:
أحدها: النبوة، قاله الضحاك.
الثاني: عبادته التي سلفت، قاله ابن جبير.
الثالث: نداؤه لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قاله ابن زيد.
الرابع: أن نعمة اللّه عليه إخراجه من بطن الحوت، قاله ابن بحر.
{لنُبِذ بالعراء} فيه وجهان:
أحدهما: لألقي بالأرض الفضاء، قاله السدي، قال قتادة: بأرض اليمن.
الثاني: أنه عراء يوم القيامة وأرض المحشر، قاله ابن جرير.
{وهو مذموم} فيه وجهان:
أحدهما: بمعنى مليم.
الثاني: مذنب، قاله بكر بن عبد الله، ومعناه أن ندعه مذموما.
{وإن يكادُ الذين كفروا ليُزْلِقونك بأبصارهم} الآية. فيه ستة أوجه:
أحدها: معناه ليصرعونك، قاله الكلبي.
الثاني: ليرمقونك، قاله قتادة.
الثالث: ليزهقونك، قاله ابن عباس، وكان يقرؤها كذلك.
الرابع: لينفذونك، قاله مجاهد.
الخامس: ليمسونك بأبصارهم من شدة نظرهم إليك، قاله السدي.
السادس: ليعتانونك، أي لينظرونك بأعينهم، قاله الفراء.
وحكي أنهم قالوا: ما رأينا مثل حجمه ونظروا إليه ليعينوه، أي ليصيبوه بالعين، وقد كانت العرب إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا بعين في نفسه أو ماله تجوّع ثلاثا ثم يتعرض لنفسه أو ماله فيقول: تاللّه ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر مالا منه ولا أحسن، فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله، فأنزل اللّه هذه الآية.
{لّما سمِعوا الذكْر} فيه وجهان:
أحدهما: محمد.
الثاني: القرآن.
{وما هو إلا ذِكْرٌ للعالمين} فيه وجهان:
أحدهما: شرف للعالمين، كما قال تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44].
الثاني: يذكرهم وعد الجنة ووعيد النار.
وفي العالمين وجهان:
أحدهما: الجن والإنس، قاله ابن عباس.
الثاني: كل أمة من أمم الخلق ممن يُعرف ولا يُعرف. اهـ.